قالت دنيا زاد لاختها شهرزاد حدثينا بأعجب الحديث عما فعله الصياد مع العفريت
فقالت حبا وكرامة اذا اذن لى مولايا الملك فنظر اليها شهريار لتتحدث
فاكملت حديثها وقالت : بلغنى ايها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد انه لما ساله الجنى وما هى حكاية الملك يونان والحكيم رويان
قال الصياد: اعلم أيها العفريت، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مدينة الفرس وأرض رومان ملك يقال له الملك يونان
وكان ذا مال وجنود وبأس وأعوان من سائر الأجناس، وكان في جسده برص قد عجزت فيه الأطباء ولم ينفعه منه شرب أدوية ولا سفوف
وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم رويان وكان عارفا بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية
والسريانية وعلوم الطب والنجوم وعالماً بأصول حكمتها وقواعد أمورها من منفعتها ومضرتها. ثم إن الحكيم لما دخل المدينة وأقام بها أيام
سمع خبر الملك وما به وقد عجزت عن مداواته الأطباء وأهل العلوم
فلما أصبح الصباح لبس أفخر ثيابه ودخل على الملك يونان وقبل الأرض ودعا له بدوام العز والنعم وأعلمه بنفسه فقال: أيها الملك: بلغني ما
اعتراك من هذا الذي في جسدك وأن كثيراً من الأطباء لم يعرفوا الحيلة في زواله وها أنا أداويك أيها الملك ولا أسقيك دواء ولا أدهنك بدهن.
فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له: كيف تفعل، فو الله لو برأتني ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي ؟ قال نعم أبرئك بلا مشقة
في جسدك
فتعجب الملك غاية العجب ثم قال له: أيها الحكيم الذي ذكرته لي يكون في أي الأوقات وفي أي الأيام
اسرع على بالدواء
قال له سمعاً وطاعة،و نزل من عند الملك واشترى له بيتاً حط فيه كتبه وأدويته وعقاقيره ثم استخرج الأدوية والعقاقير وجعل منها صولجاناً
وجوفه وعمل له قصبة وصنع له كرة ( مضرب الجولف حاليا ) وصنع له دواء
فلما صنع الجميع وفرغ منها طلع إلى الملك ودخل عليه وقبل الأرض بين يديه وأمره أن يركب إلى الميدان وأن يلعب بالكرة والصولجان وكان
معه الأمراء والحجاب والوزراء وأرباب الدولة، فما استقر بين الجلوس في الميدان حتى ناوله الصولجان وقال له: خذ هذا الصولجان واقبض
عليه وعلى ما فيه مثل هذه القبضة وامش في الميدان واضرب به الكرة بقوتك حتى يعرق كفك وجسدك فينفذ الدواء من كفك فيسري في سائر
جسدك فإذا عرقت وأثر الدواء فيك فارجع إلى قصرك وادخل الحمام واغتسل ونم فقد برئت والسلام.
فعند ذلك أخذ الملك يونان ذلك الصولجان من الحكيم ومسكه بيده وركب الجواد وركب الكرة بين يديه وساق خلفها حتى لحقها وضربها بقوة
وهو قابض بكفه على قصبة الصولجان، وما زال يضرب به الكرة حتى عرق كفه وسائر بدنه وسرى له الدواء من القبضة
وعرف الحكيم رويان أن الدواء سرى في جسده فأمره بالرجوع إلى قصره وأن يدخل الحمام من ساعته، فرجع الملك يونان من وقته وأمر أن
يخلو له الحمام فأخلوه له، وتسارعت الفراشون وتسابقت المماليك وأعدوا للملك قماشه ودخل الحمام واغتسل ولما خرج الملك من الحمام نظر
إلى جسده فلم يجد فيه شيئاً من البرص وصار جسده نقياً مثل الفضة البيضاء ففرح بذلك غاية الفرح واتسع صدره وانشرح
، فلما أصبح الصباح دخل الديوان وجلس على سرير ملكه ودخلت عليه الحجاب وأكابر الدولة
ودخل عليه الحكيم رويان فلما رآه قام إليه مسرعاً وأجلسه بجانبه وإذا بموائد الطعام قد مدت فأكل صحبته وما زال عنده ينادمه طول نهاره.
فلما أقبل الليل أعطى الحكيم ألفي دينار واغدق عليه بالهدايا وأركبه جواده وامر بان يوصل الى داره
.ولما أصبح الصباح خرج الملك إلى الديوان وقد أحدقت به الأمراء والوزراء والحجاب، وكان له وزير من وزرائه بشع المنظر نحس الطالع
لئيم بخيل حسود مجبول على الحسد والمقت.
فلما رأى ذلك الوزير أن الملك قرب الحكيم رويان وأعطاه هذه الأنعام حسده عليه
فتقدم إلى الملك يونان وقبل الأرض بين يديه وقال له: يا ملك العصر والأوان: أنت الذي شمل الناس إحسانك ولك عندي نصيحة عظيمة فإن
أمرتني أن أبديها أبديتها لك.
فقال الملك وقد أزعجه كلام الوزير: وما نصيحتك ؟ فقال: أيها الملك الجليل: قد قالت القدماء من لم ينظر في العواقب فما الدهر له بصاحب، وقد
رأيت الملك على غير صواب حيث أنعم على عدوه وعلى من يطلب زوال ملكه
فانزعج الملك وتغير لونه وقال له: من الذي تزعم أنه عدوي وأحسنت إليه؟
فقال له: أيها الملك إن كنت نائماً فاستيقظ فأنا أشير إلى الحكيم رويان. فقال له الملك: إن هذا صديقي وهو أعز الناس عندي لأنه داواني
بشيء قبضته بيدي وأبراني من مرضي الذي عجز فيه الأطباء وهو لا يوجد مثله في هذا الزمان فكيف أنت تقول عليه هذا المقال وأنا من هذا
اليوم أرتب له الجوامك والجرايات وأعمل له في كل شهر ألف دينار ولو قاسمته في ملكي لكان قليلاً عليه. وما أظن أنك تقول ذلك إلا حسداً من
هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما ندم السندباد على قتل البازي ؛؛ فتراجع الوزير بخطوة مستغربا من كلامه وقال حاشا لله ولكن
كيف كان ذلك
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
، فقالت لها أختها: يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه فقالت لها: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة المقبلة إن أبقاني الملك
. فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه حديث عجيب. ثم باتوا تلك الليلة متعانقين إلى الصباح. ثم خرج الملك إلى
[b]محل حكمه واحتبك الديوان فحكم وولى وأمر ونهى إلى آخر النهار، ثم انفض الديوان ودخل الملك قصره
يتبع