بلغنى ايها الملك السعيد ذو الراى الرشيد انه لما خرج العبيد السود واحاطوا بمن فى ساحة الدار وربطوهم حتى ياذن
لهم بقتلهم
فاقبلت صاحبة الدار عليهم وقالت أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة ولو أنتم أعزاء فقال الخليفة ويلك يا
جعفر عرفها بنا وإلا تقتلنا فقال جعفر من بعض ما نستحق
، فقال له الخليفة لا ينبغي الهزل في وقت الجد كل منهم له وقت
واقبلت الصبية من احد الصعاليك وقالت هل انتم اخوه
فقالوا أن كل منا من بلد وأن حديثنا عجيب وأمرنا غريب، فالتفتت الصبية لهم وقالت فليحكى كل منكم قصته وسبب
مجيئة فان رايت فيها العجب ساترككم تذهبون
فتقدم الحمال، فقال يا سيدتي أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي إلى هنا وجرى لي معكم ما جرى وهذا
حديثي والسلام
فقالت نعرف حكايتك اذهب انت
فتقدم الصعلوك الأول وقال لها يا سيدتي، إن سبب حلق ذقني وتلف عيني أن والدي كان ملكاً وله أخ وكان أخوه ملكاً
على مدينة أخرى واتفق أن أمي ولدتني في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي، ثم مضت سنون ، وأيام حتى كبرنا وكنت
أزور عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهر عديدة فزرته مرة فأكرمني غاية الإكرام وذبح لي الأغنام وروق لي
المدام وجلسنا للشراب فلما تحكم الشراب فينا
قال ابن عمي: يا ابن عمي إن لي عندك حاجة مهمة فاستوثق مني بالإيمان ونهض من وقته وساعته وغاب قليلاً، ثم
عاد وخلفه امرأة فالتفت إلي وقال خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة الفلانية ووصفها لي فعرفتها وقال ادخل بها
التربة وانتظرني هناك فلم يمكنني المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل الذي حلفته فأخذت المرأة وسرت إلى أن
دخلت التربة فلما استقر بنا الجلوس جاء ابن عمي ومعه طاسة فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم ثم أخذ القدوم وجاء
إلى قبر في وسط التربة ونقض أحجاره إلى ناحية التربة، ثم حفر بالقدوم في الأرض، حتى كشف عن طابق قدر
الباب الصغير و من تحت الطابق سلم معقود
لم ألتفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها دونك وما تختارين به فنزلت المرأة على ذلك السلم، ثم التفت إلي وقال يا ابن
عمي تمم المعروف إذا نزلت أنا فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان وهذا تمام المعروف وهذا الجبس الذي في
الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس
وجبس القبر في دائر الأحجار كما كان أول حتى لا يعرفه أحد ولا يقول هذا فتح جديد وهذه حاجتي عندك، ثم نزل
على السلم
فلما غاب عني ولانى لم ادرى بما يدور حولى من شدة سكرى قمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر
كما كان ثم رجعت إلى قصر عمي، وكان عمي في الصيد فنمت تلك الليلة فلما أصبح الصباح تذكرت الليلة الماضية وما
جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت معه حيث لا ينفع الندم
ثم خرجت إلى المقابر وفتشت على التربة فلم أعرفها ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم أهتد إليها فرجعت إلى القصر
لم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري بابن عمي وقد فتشت في الترب جميعاً فلم أعرف تلك التربة، ولا زمت التفتيش
سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً
فزاد بي الوسواس حتى كدت أن أجن فلم أجد فرجاً دون أن سافرت، ورجعت غليه، فساعة وصولي إلى مدينة أبي
نهض إلى جماعة من باب المدينة وكتفوني فتعجبت كل العجب إني ابن سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني،
ولحقني منهم خوف زائد، فقلت في نفسي يا ترى أجرى على والدي وصرت أسأل الذين كنفوني عن سبب ذلك فلم
يردوا علي جواباً
ثم بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي، إن أباك قد غدر به الزمان وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب
وقوعك، فأخذوني وأنا غائب عن الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها عن أبي فلما تمثلت بين يدي الوزير الذي قتل
أبي وكان بيني وبينه عداوة قديمة وسبب تلك العداوة أني كنت مولعاً بضر البندقية فاتفق أني كنت واقفاً يوماً من
الأيام على سطح قصر وإذا بطائر نزل على سطح قصر الوزير وكان واقفاً هناك، فأردت أن أضرب الطير وغذا
بالبندقية أخطأت عين الوزير، فأتلفتها بالقضاء والقدر
و لم يقدر أن يتكلم لأن والدي كان ملك المدينة فلما وقفت قدامه وأنا مكتف أمر بضرب عنقي فقلت أتقتلني بغير ذنب
فقال أي ذنب أعظم من هذا، وأشار إلى عينه المتلفة
فقلت له: فعلت ذلك خطأ، فقال إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمداً ثم قال قدموه بين يدي فقدموني بين يديه، فمد
إصبعه في عيني الشمال فأتلفها فصرت من ذلك الوقت أعور كما تروني، ثم كتفني ووضعني في صندوق وقال
للسياف: تسلم هذا وأشهر حسامك، وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه للوحوش تأكله
وهنا ادرك شهرزاد الضبح فسكتت عن الكلام المباح
يتبع