قالت دنيا زاد لاختها هلا تحدثينا عما انتهى به المزين مع الخليفة
فقالت لها حبا وكرامة لاجل مولاى ثم اكملت حديثها وفالت : بلغني أيها الملك السعيد ذو الراى الرشيد
انه لما امر الخليفة بضرب العشرة رقاب و قد حدث ذلك من السياف فيقول
المزين : فالتفت الخليفة فرآني فقال للسياف: ما بالك لا تضرب رقاب جميع
العشرة؟
فقال: ضربت رقاب العشرة كلهم، فقال له الخليفة: ما أظنك ضربت رقاب
غير تسعة وهذا الذي بين يدي هو العاشر فقال
السياف: وحق نعمتك أنهم عشرة
قال: عدوهم فإذا هم عشرة فنظر إلي الخليفة وقال: ما حملك على سكوتك في هذا
الوقت وكيف صرت مع أصحاب الدم؟
فلما سمعت خطاب أمير المؤمنين قلت له: اعلم يا أمير المؤمنين أني
أنا الشيخ الصامت وعندي من الحكمة شيء أكثر
وأما رزانة عقلي وجودة فهمي
وقلة كلامي فإنها لا نهاية لها وصنعتي الزيانة فلما كان أمس بكرة النهار،
نظرت هؤلاء
العشرة قاصدين الزورق فاختلت بهم ونزلت معهم وظننت أنهم في
عزومة فما كان غير ساعة وإذا هم أصحاب جرائم
فحضرت إليهم الأعوان ووضعوا
في رقابهم الأغلال ووضعوا في رقبتي غلاً من جملتهم
فمن فرط مروءتي سكت ولم أتكلم بين يديك فأمرت بضرب رقاب العشرة وبقيت أنا بين يدي السياف
ولم أعرفكم بنفسي، أما هذه مروءة عظيمة وقد أحوجتني إلى أن أشاركهم
في القتل لكن طول دهري هكذا أفعل الجميل.
فلما سمع الخليفة كلامي وعلم أني
كثيرة المروءة قليل الكلام ما عندي فضول كما يزعم هذا الشاب الذي خلصته من
الأهوال
قال الخليفة: وأخوتك الستة مثلك فيهم الحكمة والعلم وقلة الكلام؟
قلت: لا عاشوا ولا بقوا إن كانوا مثلي ولكن ذممتني
يا أمير المؤمنين ولا
ينبغي لك أن تقرن أخوتي بي لأنهم من كثرة كلامهم وقلة مروءتهم فيهم ألاعرج
و أعور و أفكح
و أعمى ومن مقطوع الأذنين والأنف ومنهم من مقطوع الشفتين
ومنهم أحول العينين
ولا تحسب يا أمير المؤمنين أني كثير الكلام ولا بد أن أبين لك أني أعظم مروءة منهم ولكل منهم حكاية حتى صار فيه
عاهة ان شئت احكى لك
فاومأ امير المؤمنين بان يكمل حديثه فقلت : اعلم يا أمير المؤمنين أن
الأول وهو الأعرج كان صنعته الخياطة ببغداد،
فكان يخيط في دكان استأجرها
من رجل كثير المال وكان ذلك الرجل ساكناً في الدكان وكان في أسفل دار
الرجل طاحون
فبينما أخي الأعرج جالس في الدكان ذات يوم إذ رفع رأسه فرأى امرأة
في روشن الدار وهي تنظر الناس فلما رآها ظل
يومه ينظر إلهيا وترك اشتغاله
بالخياطة إلى وقت المساء، فلما كان وقت الصباح فتح دكانه وقعد يخيط وهو
كلما غرز
غرزة ينظر إلى الروشن فمكث على ذلك مدة لم يخيط شيئاً يساوي
درهماً
وجاء صاحب الدار إلى أخي يوماً من الأيام ومعه قماش وقال له: فصل لي
هذا وخيطه أقمصة فقال أخي: سمعاً وطاعة
ولم يزل يفصل حتى فصل عشرين قميصاً
إلى وقت العشاء وهو لم يذق طعاماً، ثم قال له: كم أجرة ذلك؟ فلم يتكلم أخي
فأشارت إليه الصبية بعينها أن لا يأخذ منه شيئاً وكان محتاجاً إلى نقود
واستمر ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب إلا القليل بسبب اجتهاده في تلك
الخياطة، فلما فرغ من الخياطة التي لهم أتى إليهم
بالأقمصة وكانت الصبية
قد اعلمت زوجها بحال أخي وأخي لا يعلم ذلك واتفقت هي وزوجها على استعمال
أخي في
الخياطة بلا أجرة بل يضحكون عليه فلما فرغ أخي من جميع أشغالهما
عملا عليه حيلة وزوجاه بجاريتهما وليلة أراد أن
يدخل عليها قالا له: بت
الليلة في الطاحونة وإلى الغد يكون خيراً، فاعتقد أخي أن لهما قصداً
بريئاً فبات في الطاحونة
وحده وذهب زوج الصبية ليحرض الطحان عليه ليدوره
في الطاحون فدخل عليه الطحان في نصف الليل وهو يقول: أنه
لرجل بطال مع أن
القمح كثير وأصحاب الطحين يطلبونه فأنا أعلقه في الطاحونة ليتعلم وينهى
طحين القمح قبل
المطالبة به ، فعلقه في الطاحون إلى قرب الصبح واخى يترجاه
بانه ليس نفرا ولم ياتى من اجل هذا الشغل وصاحب
الطاحونة لم يلتفت الى
كلامه وولى حتى جاء الصباح ورجع صاحب الطاحونة واخذ يضرب اخى بالسوط واخى
يترجاه
الى ان جاءت الجارية التي عقد عليها وكان مجيئها في بكرة النهار
فحلته من الطاحون
وقالت : قد شق علي أو على سيدتي ما جرى لك وقد حملنا همك فلم يكن له
لسان يرد جواباً من شدة الضرب، ثم رجع
إلى منزله وإذا بالشيخ الذي كتب
الكتاب قد جاء وسلم عليه وقال له: حياك الله زواجك مبارك بت الليلة في
نعيم ودلال
فقال له أخي لا سلم الله ما جئت إلا لأطحن في موضع الثور إلى الصباح فقال له: حدثني بحديثك فحدثه أخي بما وقع له
فقال له: ما وافق نجمك نجمها ولكن إذا شئت أن أغير لك عقد العقد أغيره لك بأحسن منه لأجل أن يوافق نجمك نجمها
فقال له: انتظر حتى يقضى الله بينى وبينهم امرا ورجع دكانه للخياطة
حتى يأتي احد إليه بشغل يتقوت من أجرته وإذا
بالجارية قد أتت إليه وكانت
اتفقت مع سيدتها على تلك الحيلة
فقالت له: إن سيدتي مشتاقة إليك وقد خرجت للسطح لترى وجهك فنظر
لاعلى الدار فوجدها تنظر اليه و تبكي وتقول:
لأي شيء قطعت المعاملة بيننا
وبينك فلم يرد عليها جواباً فحلفت له أن جميع ما وقع له في الطاحون لم يكن
باختيارها
فلما نظر اخى لما هى عليه قبل عذرها وفرح برؤيتها، ثم تحدث معها وجلس في خياطتها مدة وبعد ذلك ذهبت إليه الجارية
وقالت له: ان سيدتي تسلم عليك وتقول لك: إن زوجها قد عزم على أن يبيت
عند بعض أصدقائه في هذه الليلة، فإذا
مضى عندهم تكون أنت عندنا وتبيت مع
سيدتي
وكان زوجها قد فال لها عندما ياتيكى آخذه وأجره إلى الوالي
فقالت: دعني أحتال عليه بحيلة وأفضحه فضيحة يشتهر بها في هذه المدينة
وأخي لا يعلم شيئاً من كيد النساء وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
ولكم التحية
يتبع