- استحيوا من الله تعالى حق الحياء من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس و ما وعى و ليحفظ البطن و ما حوى و ليذكر الموت و البلا و من أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء 0
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم: 935 في صحيح الجامع0
الشـــــرح :
( استحيوا من الله حق الحياء ) بترك الشهوات والنهمات وتحمل المكاره على النفس حتى تصير مدبوغة فعندها تطهر الأخلاق وتشرق أنوار الأسماء في صدر العبد ويقرر علمه فيعيش غنياً بالله ما عاش . قال البيضاوي : ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه ، بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول .
وقال سفيان بن عيينة : الحياء أخف التقوى ولا يخاف العبد حتى يستحي ، وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء؟
( من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس ) أي رأسه
(وما وعى) ما جمعه من الحواس الظاهرة و الباطنة حتى لا يستعملها إلا فيما يحل
( وليحفظ البطن وما حوى ) أي وما جمعه باتصاله من القلب والفرج واليدين والرجلين ، فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيئاً في معصية الله فإن الله ناظر في الأحوال كلها إلى العبد لا يوازيه شيء وعبر في الأول بوعي وفي الثاني يحوي للتفنن .
قال الطيبي : جعل الرأس وعاء وظرفاً لكل مالا ينبغي من رزائل الأخلاق كالفم والعين والأذن وما يتصل بها وأمر أن يصونها كأنه قيل كف عنك لسانك فلا تنطق به إلا خيراً .
ولعمري أنه شطر الإنسان قال الشاعر :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
ولهذا سيجيء في خبر من صمت نجا . ولم يصرح بذكر اللسان ليشمل ما يتعلق بالفم من أكل الحرام والشبهات ، وكأنه قيل : وسد سمعك أيضاً عن الإصغاء إلى ما لا يعنيك من الأباطيل والشواغل واغضض عينك عن المحرمات والشبهات ولا تمدن عينيك إلى ما تمتع به الكفار كيف لا وهو رائد القلب الذي هو سلطان الجسد ومضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله؟ وهنا نكتة وهي عطف ما وعى على الرأس ، فحفظ الرأس مجملاً عبارة عن التنزه عن الشرك ، فلا يضع رأسه لغير الله ساجداً ولا يرفعه تكبراً على عبادة الله ، وجعل البطن قطباً يدور على سرية الأعضاء من القلب والفرج واليدين والرجلين . وفي عطف وما حوى على البطن إشارة إلى حفظه من الحرام والاحتراز من أن يملأ من المباح ، وقد تضمن ذلك كله قوله
( وليذكر الموت والبلى)لأن من ذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاؤه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة ، وأهمه ما يلزمه من طلب الآجلة،وعمل على إجلال الله وتعظيمه ،وهذا معنى قوله
( ومن أراد الآخرة ) أي الفوز بنعيمها
( ترك زينة الدنيا ) لأن الآخرة خلقت لحظوظ الأرواح وقرة عين الإنسان ، والدنيا خلقت لمرافق النفوس ، وهما ضرتان : إذا أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى ، فمن أراد الآخرة وتشبث بالدنيا كان كمن أراد أن يدخل دار ملك دعاه لضيافته وعلى عاتقه جيفة والملك بينه وبين الدار ، عليه طريقه وبين يديه ممره وسلوكه ، فكيف يكون حياؤه منه؟ فكذا مريد الآخرة مع تمسكه بالدنيا ، فإذا كان هذا حال من أراد الآخرة فكيف بمن أراد من ليس كمثله شيء؟ فمن أراد الله فليرفض جميع ما سواه استحياء منه بحيث لا يرى إلا إياه
( فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء)قال الطيبي:المشار إليه بقوله ذلك جميع ما مر ، فمن أهمل من ذلك شيئاً لم يخرج من عهدة الاستحياء وظهر من هذا أن جبلة الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب ومكان المخازي ، وأنه تعالى هو العالم بها فحق الحياء أن يستحيى منه ويصونها عما يعاب فيها.وأصل ذلك ورأسه ترك المرء ما لا يعنيه في الإسلام وشغله بما يعينه عليه ، فمن فعل ذلك أورثه الاستحياء من الله.والحياء مراتب : أعلاها الاستحياء من الله تعالى ظاهراً وباطناً،وهو مقام المراقبة الموصل إلى مقام المشاهدة