قالت دنيا زاد لاختها شهرزاد حدثينا بأعجب الحديث عن ذلك الشاب المسحور
فقالت حبا وكرامة اذا اذن لى مولايا الملك فنظر اليها شهريار لتتحدث
فقالت: بلغني أيها الملك السعيد ذو الراى الرشيد
انه لما قام الشاب ولم يجدها ظنا انها لم تاتى بعد ونظر الى الشرفة ووجد الغراب قد دنا منها ثم طار
والملك يستمع اليه فى عجب
فيكمل ويقول الشاب : ورأيت بنت عمي في ذلك اليوم قد قطعت شعرها ولبست ثياب الحزن وقالت: يا ابن عمي لا
تلمني فيما أفعله، فإنه بلغني أن والدتي توفيت وأن والدي قتل في الجهاد، وأن أخوانى أحدهما مات ملسوعاً والثانى
رديماً والثالث جزت رقبته ولكنه لم يمت
فعلمت انها تقصد ذلك الاسود ، فلما سمعت كلامها سكت عنها وقلت لها: افعلي ما بدا لك فإني لا أخالفك، فمكثت في
حزن وبكاء سنة كاملة ، وبعد السنة قالت لي أريد أن أبني في قصرك مدفناً مثل القبة وأنفرد فيه بالأحزان أسميه بيت
الأحزان
فقلت لها افعلي ما بدا لك فبنت لها بيتاً للحزن في وسطه قبة ومدفناً مثل الضريح ثم نقلت العبد وأنزلته فيه وهو
ضعيف جداً لا ينفعها بنافعة لكنه يشرب الشراب، ومن اليوم الذي جرحته فيه ما تكلم إلا أنه حي لأن أجله لم يفرغ
فصارت كل يوم تدخل عليه القبة بكرة وعشياً وتبكي عنده، وتعدد عليه وتسقيه الشراب والمساليق ولم تزل على هذه
الحالة صباحاً ومساء إلى ثاني سنة وأنا صابرعليها إلى أن دخلت عليها يوماً من الأيام، على غفلة فوجدتها تبكي
وتلطم وجهها
قلت لها وسيفي مسلول في يدي: حقا هذا فعل الخائنات اللاتي يسكرن المعشره ولولا انك ابنه عمى وأردت أن
أضربها فرفعت يدي في الهواء
فقامت وقد علمت أني أنا الذي جرح العبد ثم جلست على ركبتها وتكلمت بكلام لا أفهمه، وقالت جعلتك بسحري نصفك
حجراً ونصفك بشراً، فصرت كما ترى وبقيت لا أقوم ولا أقعد ولا أنا ميت ولا حي
فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الأسواق والغبطان وكانت مدينتنا أربعة أصناف مسلمين ونصارى ويهود
ومجوس فسحرتهم سمكاً، فالأبيض مسلمون والأحمر مجوس والأزرق نصارى والأصفر يهود وسحرت الجزائر ا
لأربعة جبال وأحاطتها بالبركة، و كل يوم تعذبني، وتضربني بسوط من الجلد مائة ضربة حتى يسيل الدم ثم تلبسني
من تحت هذه الثياب ثوباً من الشعر
فعند ذلك التفت الملك إلى الشاب وقال له: أيها الشاب زدتني هماً على همي، ثم قال له: وأين تلك المرأة قال في المدفن
الذي فيه العبد راقد في القبة وهي تجيء له كل يوم مرة وعند مجيئها تجيء إلى وتجردني من ثيابي وتضربني
بالسوط مئة ضربة وأنا أبكي وأصيح ولم يكن في حركة حتى أدفعها عن نفسي ثم بعد أن تعاقبني تذهب إلى العبد
بالشراب والمسلوقة بكرة النهار
قال الملك: والله يا فتى لأفعلن معك المعروفاً ، ثم جلس الملك يتحدث معه إلى أن أقبل الليل فتجرد من ثيابه وتقلد
سيفه ونهض إلى المحل الذي فيه العبد فنظر إلى الشمع والقناديل ورأى البخور والأدهان ثم قصد العبد وضربه فقتله
ثم حمله على ظهره ورماه في بئر كانت في القصر، ثم نزل ولبس ثياب العبد وهو داخل القبة والسيف معه مسلول
في طوله، فبعد ساعة اتت زوجه الشاب وعند دخولها جردت ابن عمها من ثيابه وأخذت سوطاً، وضربته فقال آه
يكفيني ما أنا فيه فارحميني فقالت: وهل كنت أنت رحمتني
ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت إلى العبد ومعها قدح الشراب وطاسة المسلوقة ودخلت عليه القبة
وبكت وولولت وقالت: يا سيدي كلمني يا سيدي حدثني
فخفض الملك صوته، وعوج لسانه وتكلم بكلام السودان وقال: آه لا حول ولا قوة إلا بالله فلما سمعت كلامه صرخت
من الفرح وقالت لعل سيدي صحيح، فخفض صوته بضعف وقال: أنت لا تستحقي أن أكلمك ابد الدهر
فقالت وما سبب ذلك، قال سببه أنك طوال النهار تعاقبين زوجك وهو يصرخ ويستغيث حتى أحرمتيني النوم من
العشاء إلى الصباح
ولم يزل زوجك يتضرع ويدعو عليك حتى أقلقني صوته ولولا هذا لكنت تعافيت
فقالت له لو اردت لخلصته مما فيه . فقال لها الملك خلصيه واريحينا
فقامت وخرجت من القبة إلى القصر وأخذت طاسة ملأتها ماء ثم تكلمت عليها ثم رشته منها وقالت: بحق ما تلوته أن
تخرج من هذه الصورة إلى صورتك الأولى: فانتفض الشاب وقام على قدميه، وفرح بخلاصه وقال: أشهد أن لا إله إلا
الله وأن محمداً رسول الله
فصرخت فى وجهه تقول اخرج ولا ترجع والا قتلتك
فخرج من بين يديها وعادت إلى القبة ونزلت وقالت: يا سيدي اخرج إلي حتى أنظرك، فقال لها بكلام ضعيف أي
شيء فعلتيه، أرحتيني من الفرع ولم تريحيني من الأصل
فقالت يا حبيبي وما هو الأصل قال: أهل هذه المدينة والأربع جزائر كل ليلة، إذا انتصف الليل يرفع السمك رأسه
ويدعو علي وعليك فهو سبب منع العافية عن جسمي، فخلصيهم وتعالي خذي بيدي
فلما سمعت كلام الملك وهي تظنه العبد، قالت له وهي فرحة لبيك سيدى ثم نهضت وقامت وهي مسرورة تجري
وخرجت إلى البركة
ثم أخذت شيئا قليلا من مائها وتكلمت عليه بكلام لا يفهم فتحرك السمك، ورفع رأسه وصار آدميين في الحال، وانفك
السحر عن أهل المدينة وأصبحت عامرة والأسواق منصوبة،وانقلبت الجبال جزائر، كما كانت ثم رجعت إلى الملك في
الحال وهي تظن أنه العبد، وقالت يا حبيبي ناولني يدك الكريمة أقبلها. فقال الملك بكلام خفي تقربي مني، فدنت منه .
فقال اكثر من ذلك . فدنت اكثر واكثر حتى شعر ببرودة يديها تلمس يده ..........
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح،
فلما أصبح الصباح دخل الملك إلى محل الحكم واحتبك الديوان إلى آخر النهار، فولى وعزل وحكم وامر ثم دخل قصره
يتبع