جلست شهرزاد تكمل ما بدئته عن حديثها عن مزين بغداد وما فعله من مروئة مع اخوته
وقد قالت: بلغني أيها الملك السعيد ذو الراى الرشيد انه
لما ارادت تلك الصبية هى وزوجها ان تحتال على ذلك الاعرج الخياط وقالت لزوجها لافضحنه فضيحة يشتهر بها خبره
وقال المزين وهو يحكى لامير المؤمنين واخى لا يعرف شيئا عن كيد النساء
فلما اقبل المساء جاءت الجارية إلى أخي وأخذته ورجعت به إلى سيدتها
فقالت له: والله يا سيدي إني مشتاقة إليك كثيراً
وهمت به و لم تتم كلامها
إلا وقد حضر زوجها فهرولت نحوه فقبض على أخي وقال له: لا أفارقك إلا عند
صاحب
الشرطة فتضرع إليه أخي فلم يسمعه بل حمله إلى دار الوالي
واخذ يضربه بالسياط وأركبه جملاً ودار به في شوارع المدينة والناس ينادون عليه هذا جزاء من يهيم على حرائم الناس
ووقع من فوق الجمل فانكسرت رجله فصار أعرج ثم نفاه الوالي من المدينة
فخرج لا يدري أين يقصد فاغتظت أنا
فلحقته وأتيت به والتزمت بأكله وشربه
إلى الآن فضحك الخليفة من كلامي وقال: أحسنت فقلت: لا أقبل هذا التعظيم
منك دون ان تصغى لما وقع لبقية أخوتي ولا تحسب أني كثير الكلام فقال
الخليفة: حدثني بما وقع لجميع أخوتك
وشنف مسامعي بهذه الرقائق واسلك سبيل
الأطناب في ذكر هذه اللطائف
فقلت: اعلم يا أمير المؤمنين أن أخي الثاني كان اسمه بقبق وقد وقع له
أنه كان ماشياً يوماً من الأيام متوجهاً إلى
حاجة له وإذا بعجوز قد
استقبلته وقال له: أيها الرجل قف قليلاً حتى أعرض عليك أمراً فإن أعجبك
فاقضه لي
فوقف أخي فقالت له: أدلك على شيء وأرشدك إليه بشرط أن لا يكون كلامك كثيراً فقال لها أخي: هاتى ما عندك
قالت: ما قولك في دار حسنة وماؤها يجري وفاكهة مدام ووجه مليح تشاهده
ولم تزل كذلك من العشاء إلى الصباح، فإن
فعلت ما أشترط عليك رأيت الخير
فلما سمع أخي كلامها قال لها: يا سيدتي وكيف قصدتيني بهذا الأمر من دون
الخلق
أجمعين فأي شيء أعجبك مني؟
فقالت لأخي: أما قلت لك لا تكن كثير الكلام واسكت وامض معي ثم ولت
العجوز وسار أخي تابعاً لها طمعاً فيما وصفته
له حتى دخلا داراً فسيحة
وصعدت به من أدنى إلى أعلى فرأى قصراً ظريفاً فنظر أخي فرأى فيه أربع بنات
ثم إن بنتاً
منهن شربت قدحاً فقال لها أخي: بالهناء وقام ليخدمها فمنعته
من الخدمة ثم سقته قدحاً وصفعته على رقبته. فلما رأى
أخي ذلك خرج مغضباً
ومكثراً الكلام فتبعته العجوز وجعلت تغمزه بعينها ارجع فرجع وجلس ولم ينطق
فأعادت الصفعة فقالت له العجوز : اصبر عليلاً حتى تبلغ ما تريد فقال
لها أخي: إلى كم أصبر قليلاً؟ فقالت العجوز بقى
لك ان تحلق ذقنك
فقال لها أخي: وكيف أعمل في فضيحتي بين الناس فلو رئانى الناس ضحكو
على واستهزؤا بى وقد يظنون انى احد
الصعاليك لن افعل ذلك ولو كان ذلك فيه
مماتى ؟ فقالت له العجوز إنها ما أرادت أن تفعل بك ذلك إلا لأجل أن تصير
أمرد
فاصبر فقد بلغت المنى فحلق ذقنه غصبا عنه ثم جاء وجلس بين البنات
فقالت احداهما لأخي: قم الآن واجر ورائي وإذا
أردت شيئاً فاتبعني فجرت
امامه وتبعها ثم جعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج من محل إلى محل آخر وأخي
وراءها
فبينما هو كذلك إذ رأى نفسه في وسط زقاق
وذلك الزقاق في وسط الجلادين وهم ينادون على الجلود فرآه الناس على
تلك الحالة وهو محلوق الذقن والحواجب
والشوارب، محمر الوجه فصاحوا عليه
وصاروا يضحكون ويقهقهون، وصاروا يصفعونه بالجلود حتى غشي عليه
وحملوه على
حمار حتى أوصلوه إلى الوالي فقال: ما هذا؟
قالوا: هذا وقع لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة، فضربه الوالي مائة سوط فلما تفاقئ جسده من الجلد وظهر عليه فسمى بقبق
وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سراً ثم رتبت له ما يقتات به فلولا مروءتي ما كنت أحتمل مثله.
وأما أخي الثالث فاسمه فقا ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة، فدق
الباب طمعاً أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئاً، فقال صاحب الدار: من بالباب؟
فلم يكلمه أحد فسمعه أخي يقول بصوت عال: من هذا؟ فلم يكلمه أخي وسمع
مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه فقال:
ماتريد؟ قال له أخي: شيئاً لله تعالى
فقال له: هل أنت ضرير؟ قال له أخي: نعم فقال له: ناولني يدك فناوله يده
فأدخله
الدار ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح،
وأخي يظن أنه يطعمه شيئاً فلما انتهى إلى أعلى مكان
قال لأخي: ماذا تريد يا ضرير قال: أريد شيئاً لله تعالى فقال له:
يفتح الله عليك فقال له أخي: يا هذا أما كنت تقول لي
ذلك وأنا في الأسفل
فقال له: لم تسألني شيئاً لله حين سمعت كلامي أول مرة وأنت تدق الباب فقال
أخي: هذه الساعة ما
تريد أن تصنع بي؟ فقال له: ما عندي شيء حتى أعطيك إياه
قال: انزل بي إلى السلالم، فقال لي: الطريق بين يديك فقام أخي
واستقبل السلالم وما زال نازلاً حتى بقي بينه وبين
الباب عشرون درجة فزلقت
رجله فوقع ولم يزل واقعاً منحدراً من السلالم حتى انشج رأسه فخرج وهو لا
يدري أين
يذهب فلحقه بعض رفقائه العميان فقال له: أي شيء حصل لك في هذا
اليوم؟ فحدثهم بما وقع له قال لهم: يا أخوتي
أريد أن آخذ شيئاً من الدراهم
التي بقيت معنا وأنفق منه على نفسي
وفى هذه الاثناء كان صاح الدار يمشى بجوار سور فسمع همسهم فنظر فوجد اخى وهو السائل الذى اغاظه جالسا بمفرده
فقال ادخل لعلى ارى ماذا يصنع ذلك الشحاذ فدخل الرجل البيت واخى لا يشعر به وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه
قال لهم: أغلقوا الباب وفتشوا البيت كيلا يكون أحد غريب معنا، فلما
سمع الرجل كلام أخي قام وتعلق بحبل كان فى
سقف الدار فطافوا البيت جميعه
فلم يجدوا أحداً، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي وأخرجوا الدراهم التي معهم
وعدوها فإذا هي عشرة آلاف درهم
وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
يتبع