لما جنا اللل وجلس شهريار وشهرزاد واختها يتسامرون قالت دنيا زاد اكملى لنا حديثك عن الصعاليك يا اختاه
فقالت حبا وكرامة لاجل مولاى واكملت قائلة :
بلغنى ايها الملك السعيد ذو الراى الرشيد : ان الصعلوك خرج مع السياف
ذهب به السياف وصار حتى خرج من المدينة،وكان السياف مخلصا لوالده الملك لما عليه إحسان، قال يا سيدي فر
بعمرك ولا تعد إلى هذه المدينة فتهلك وتهلكني معك
فقبلت يديه و فررت وهان علي تلف عيني بنجاتي من القتل
وسافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى لوالدي
فبكى بكاء شديداً وقال لقد زدتني هماً على همي وغماً على غمي، فإن ابن عمك قد فقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى له
ولم يخبرني أحد بخبره
يا ولدي قد حزنت على ابن عمك حزناً شديداً وأنت زدتني بما حصل لك غماً على غمي فلم يمكني السكوت عن ابن
عمي فأعلمته بالذي جرى له كله ففرح عمي بما قلته له فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه، وقال أرني التربة فقلت والله
يا عمي لم أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عليها فلم أعرف مكانها
ثم ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة، ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها ففرحت أنا وعمي فرحاً شديداً ودخلت أنا وإياه التربة
وأزحنا التراب ورفعنا الطابق ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة، فلما وصلنا إلى آخر السلم وإذا بدخان طلع علينا
فغشي أبصارنا، فقال عمي الكلمة التي لا يخاف قائلها وهي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم مشينا وإذا نحن
بقاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولات وغير ذلك
ورأينا في وسط القاعة ستارة مسبولة على سرير فنظر عمي إلى السرير فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه
صار فحماً كأنهما ألقيا في جب نار
فلما نظر عمي بصق في وجهه وقال تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا وبقي عذاب الآخرة
، ثم أن عمي ضرب ولده بالنعال وهو راقد كالفحم الأسود فتعجبت من ضربه ثم بكى وبكيت معه وقال لي أنت ولدي
عوضاً عن هذا الابن العاص لله العاق لوالده
فصعدنا ورددنا الطابق والتراب، وعملنا القبر كما كان، ثم رجعنا إلى منزلنا فلم يستقر بيننا جلوس حتى سمعنا دق
طبول وبوقات ورمحت الأبطال وامتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافر الخيل فحارت عقولنا ولم نعرف الخبر فسأل
الملك عن الخبر فقيل إن وزير أخيك قتله وجمع العسكر والجنود وجاء بعسكره ليهجموا على المدينة وأهل المدينة لم
يكن لهم طاقة بهم فسلموا إليه فقلت في نفسي متى وقعت أنا في يده قتلني
وتراكمت الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وأمي ولم أعرف كيف العمل فإن ظهرت عرفني أهل المدينة
وعسكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي فلم أجد شيئاً أنجو به إلا حلق ذقني فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من
المدينة وقصدت هذه المدينة لعل أحداً يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين حتى أحكي له قصتي
فوجدت هذا الصعلوك واقف فسلمت عليه وقلت له أنا غريب أيضاً، فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا هذا الثالث جاءنا
وسلم علينا، وقال أنا غريب، فقلنا له ونحن غريبان فمشينا وقد هجم علينا الظلام فساقنا القدر إليكم، وهذا سبب حلق
ذقني وتلف عيني فقالت الصبية ملس على رأسك واذهب فقال لها لن اذهب حتى اسمع حديث اخوانى
فتقدم الصعلوك الثاني وقال يا سيدتي أنا ما ولدت أعور فأنا ملك ابن ملك وقرأت القرآن على سبع روايات وقرأت
الكتب على أربابها من مشايخ العلم وقرأت علم النجوم وكلام الشعراء واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني
فعظم حظي عند سائر الكتبة وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان وشاع خبري عند سائر الملوك
فسمع بي ملك الهند فأرسل يطلبني من أبي وأرسل إليه هدايا وتحفاً تصلح للملوك فجهزني أبي في ست مراكب
وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا إلى البر وأخرجنا حبلاً كانت معنا في المركب وحملنا عشرة جمال هدايا
ومشينا قليلاً وإذا بغبار قد علا وثار حتى سد الأقطار واستمر ساعة من النهار ثم انكشف قبان من تحته ستون فارساً
وهم ليوث
وإذا هم عرب قطاع طرق فلما رأونا شرعوا الرماح بين أيديهم نحونا فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم: نحن رسل
إلى ملك الهند المعظم فلا تؤذونا فقالوا نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه فقتلوا بعض الغلمان وهرب الباقون
وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً بليغاً واشتغلوا عنا بالمال والهدايا التي كانت معنا فصرت لا أدري أين أذهب، وكنت
عزيزاً فصرت ذليلاً وسرت إلى أن وصلت إلى مدينة عامرة بالخير وقد ولى عنها الشتاء ببرده وأقبل عليها الربيع
بورده.
ففرحت بوصولي إليها وقد تعبت من المشي فتغيرت حالي ولا أدري أين أسلك فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه
أخبرته بما جرى لي فاغتم لأجلي وقال يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك المدينة لأن أبيك عدو له
وبينها ثار قديم
وأخلى لي محلاً في جانب حانوته وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء وطعام فأقمت عنده ثلاثة أيام، ثم قال لي
أما تعرف صنعة تكسب بها فقلت له: إني فقيه طالب علم كاتب حاسب
فقال: إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في مدينتنا من يعرف علماً ولا كتابة غير المال. فقلت والله لا أدري شيئاً غير
الذي ذكرته لك
فقال خذ فأساً وحبلاً واحتطب في البرية حطباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك ولا تعرف أحداً بنفسك فيقتلوك
وأرسلني مع بعض الحطابين وأوصاهم علي، فخرجت معهم واحتطبت فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار
فأكلت ببعضه وأبقيت بعضه، ودمت على هذا الحال مدة سنة.
ثم يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها، فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير فدخلت الخميلة
وأتيت شجرة وحفرت حولها وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس فنظفت التراب وإذا هي في
طابق من خشب فكشفته فبان تحته سلم فنزلت إلى أسفل السلم
وهنا ادرك شهرزاد الباح فسكتت عن الكلام المباح
يتبع