قالت شهرزاد وهى تكمل حكاية مزين بغداد مع امير المؤمنين وما حدث
لاخيه وقد قالت بلغنى ايها الملك السعيد ذو
الراى الرشيد ان اخوه لما اراد
ان يعطى للعجوزة الدراهم قالت له يا سمه الصعاليك وذكرته بما فعلته الصبية
معه من
معروف فقال لها : يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها؟ قالت: يا
ولدي إنها زوجة رجل موسر فخذ جميع مالك معك
فإذا اجتمعت بها فلا تترك شيئاً إلا وتفعله فإنك تنال من جمالها
ومالها جميع ما تريد واخذ يكمل هذا المزين حديثه قائلا
:فأخذ أخي جميع
الذهب وقام ومشى مع العجوز وهو لا يصدق بذلك فلم تزل تمشي حتى وصلا إلى
باب كبير فدقته
فخرجت جارية رومية فتحت الباب فدخلت العجوز وأمرت أخي
بالدخول فدخل دار كبيرة فلما دخلها رأى فيها مجلساً
كبيراً مفروشاً وسائد
مسبلة. فجلس أخي ووضع الذهب بين يديه ووضع عمامته على ركبته فلم يشعر إلا
وجارية أقبلت
من بعيد فقام أخي على قدميه فلما رأته ضحكت في وجهه وفرحت
به، ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته ثم أقبلت على أخي
وأخذت يده ومضيا جميعاً
إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فدخلاها وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج فجلس
أخي ثم قالت
له: لا تبرح حتى أجيء إليك، وغابت عنه ساعة فبينما هو كذلك إذ
دخل عليه عبد أسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد
يأخذ لمعانه بالبصر وقال
لأخي: يا ويلك من جاء بك إلى هذا المكان يا أخس الإنس فلم يقدر أخي أن يرد
عليه جواباً
بل انعقد لسانه في تلك الساعة
فأخذه العبد ولم يزل يضربه بالسيف صحفاً ضربات متعددة أكثر من
ثمانين ضربة إلى أن فقد وغيه وسقط على الأرض
فرجع العبد عنه واعتقد أنه
مات وصاح صيحة ارتجت الأرض من صوته ودوى له المكان وقال: أين الملح ؟
فأقبلت إليه
جارية في يدها طبق مليح فيه ملح أبيض فصارت الجارية تأخذ من
ذلك الملح وتحشر الجراحات التي في جلد أخي
وأخي لا يتحرك خيفة أن يعلموا
أنه حي فيقتلوه ثم مضت الجارية وصاح العبد صيحة مثل الأولى فجاءت العجوز
إلى
أخي وجرته من رجليه إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيه على جماعة مقتولين
فاستقر في مكانه يومين كاملين، وكان
الله سبحانه وتعالى جعل الملح سبباً
لحياته لأنه قطع سيلان عروق الدم. فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة
قام
من السرداب وفتح طاقة في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه الله عز
وجل الستر فمشى في الظلام واختفى في هذا
الدهليز إلى الصبح
فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز في طلب سيد آخر فخرج أخي في أثرها
وهي لا تعلم به حتى أتى منزله ولم يزل
يعالج نفسه حتى بريء ولم يزل يتعهد
العجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحد بعد واحد وتوصلهم إلى
تلك
الدار وأخي لا ينطق بشيء و رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقة وعمل
منها كيساً وملأه زجاجاً وشد
في وسطه وتنكر حتى لا يعرفه أحد ولبس ثياب
العجم وأخذ سيفاً وجله تحت ثيابه فلما رأى العجوز قال لها بكلام
العجم: يا
عجوز هل عندك ميزان يسع تسعمائة دينار؟ فقالت العجوز: لي ولد صغير صيرفي
عنده سائر الموازين
فامض معي إليه قبل أن يخرج من مكانه حتى يزن لك ذهبك
فقال أخي: امشي امامى فسارت وسار أخي خلفها حتى أتت
الباب فدقته فخرجت
الجارية وضحكت في وجهه
فقالت العجوز: أتيتكم بلحمة سمينة فأخذت الجارية بيد أخي وأدخلته الدار التي دخلها سابقاً
وقامت وقالت لأخي: لا تبرح حتى أرجع إليك وراحت فلم يستقر أخي إلا
والعبد قد أقبل ومعه السيف المجرد فقال
لأخي: قم يا مشؤوم فقام أخي وتقدم
العبد وغالجه بضربة قوية فرمى راسه وسحبه اخى من رجله إلى السرداب
ونادى: أين الملح ؟فجاءت الجارية وبيدها الطبق الذي فيه الملح فلما رأت أخي والسيف بيده ولت هاربة
وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
ولكم التحية
يتبع[center]